http://dgam.gov.sy/wp-content/uploads/2020/10/header.png

موقع عام لكنيسة القديس سمعان في جبل سمعان في ريف حلب

نماذج للزخارف في الكتلة الكلسية

موقع بنصرة في الجبل الوسطاني في ريف ادلب

وصف وتاريخ القرى

تطلق تسمية قرى الكتلة الكلسية على منطقة الجبال الواقعة شمال غربي سورية، والتي تمتد على مساحة واسعة بين الحدود التركية شمالاً ومدينة أفامية الأثرية بطول حوالي 100كم، وعرض حوالي 15-20كم، وتحدها وديان عفرين والعاصي في الغرب، وسهل حلب في الشرق.

هذه المنطقة هي منطقة جبال متوسطة، تتألف من سلسلة من السهول المتموجة المتفاوتة الارتفاع، ويتراوح علوها بين 400م و900م. تسيطر على هذه المنطقة كتلتان رئيستان هما جبل الزاوية وجبل سمعان، ويفصل بينهما سهل شالسيس الخصب، وترتبط بالعاصي بسلسلة من الجبال الأصغر هي الوسطاني والدويلي والأعلى وباريشا.

يعود ببناء هذه القرى إلى الفترة ما بين القرنين الأول والسابع للميلاد، وقد بلغ عددها 800 موقع  وقرية أثرية، منها ما هو مسكون حالياً ومنها ما هو غير مسكون ويقع معظمها في محافظتي حلب وإدلب.

تم طرح موقع القرى الأثرية في شمال سورية للتسجيل على قائمة الإرث الحضاري العالمي على أنها “مشهد ثقافي”، وهو يعتبر مطابقاً لتعريف “العمل المشترك بين الإنسان والطبيعة”، ويظهر “تطور المجتمع وتوطده على مر الزمن، بتأثير القيود المادية والإمكانيات التي يقدمها إطارهم الطبيعي”.

تقع ثلاثة من التجمعات في السلسلة الشمالية لجبل سمعان في محافظة حلب، في حين تقع الخمسة الباقية على سلاسل الكتلة الكلسية الأخرى، إلى الجنوب والغرب من جبل سمعان ضمن محافظة إدلب.

نجد في داخل هذه المناطق التي يختلف امتدادها، لكن مساحتها لا تتجاوز بضعة عشرات من الكيلومترات، مواقع رئيسة ومعروفة (سرجلة والقديس سمعان وكنيسة قلب لوزة)، ومواقع أقل شهرة لكنها ذات أهمية مماثلة، ومواقع صغرى معزولة وغير مسكونة، ومواقع معاد استخدامها جزئياً من قبل السكن الحديث، ومناطق طبيعية وزراعية. تنتشر التجمعات الثمانية على جميع السلاسل الرئيسة التي تؤلف الكتلة الكلسية، وتقدم عينة لتعقيد الموقع وغناه.

أتى الفلاحون الذين قطنوا الكتلة الكلسية منذ القرن الأول من السهول المجاورة نتيجة للزيادة النسبية في عدد سكانها بسبب استصلاح الأراضي، وعمدوا إلى استصلاح الكتلة الكلسية للزراعة ووضع حدود للمقاسم. أسست السلطة الحاكمة مخططاً كادسترائياً ملكياً بهدف السيطرة بشكل أفضل على هذه الحركة العفوية من الاستيطان، وتم تنفيذه على أرض الواقع من خلال شبكة من الجدران الحجرية المنخفضة الموضوعة بشكل متعامد في الاتجاهين شمال-جنوب وشرق-غرب على مساحة تزيد عن بضعة مئات من الكيلومترات المربعة. بقي الفلاحون الذين قاموا بالأعمال الشاقة فقراء، وقاموا ببناء مساكنهم بنفسهم بجدران من الحجر الغشيم، كما مارسوا الزراعة كالقمح والشعير والخضراوات والأشجار المثمرة، وتربية الحيوانات الكبيرة والصغيرة التي يدل على أهميتها المعالف الكثيرة التي ما زالت واضحة  في القرى.

تراجع الازدهار والإنتاج الاقتصادي بين عامي 250 و330، بسبب الطاعون الذي انتشر في المنطقة عام 250 ونتائجه، كما قد يكون من الممكن ربطه بالحروب التي أخضع خلالها الفرس الإمبراطورية الرومانية.

عاد التوسع عام 330 بقوة على الصعيدين السكاني والاقتصادي، ولم يتوقف إلا خلال الفترة 540-550، وبشكل نهائي هذه المرة، وقد ظهر هذا التوسع من خلال تضاعف عدد السكان لثلاث أو أربع مرات. أسبغ الازدهار الاقتصادي طابعاً كمياً ونوعياً على المنطقة، فالفلاحون الذين ازداد عددهم، والذين امتلكوا مساحة متوسطة من الأراضي، أصبحوا أكثر ثراء، وحققوا فائضاً زراعياً، وامتلكوا الإمكانيات اللازمة لبناء مساكن من طراز بيوت الفترة الرومانية نفسه، ولكنها أكثر كلفة وأوسع.

اختبر فلاحو سورية تغييراً جذرياً بعد تركهم للوثنية عند تحولهم للمسيحية، وقد كان الزُهّاد الذين استقروا في الكتلة الكلسية ابتداء من القرن الرابع من عوامل هذا التحول، فقد عاشوا حياة من التقشف أعطتهم سمعة واسعة بين الفلاحين الذين رأوا فيهم الحُماة وأصحاب المعجزات. استقر بعض هؤلاء الزهاد ابتداء من القرن الخامس في أديرة يديرها آباء، ومنذ النصف الثاني من القرن الرابع، بنى الفلاحون كنائس تضاعفت خلال القرنين الخامس والسادس، وظهرت في كل القرى تقريباً.

يعتبر القديس سمعان، أول العموديين وأعظمهم، من بين القديسين الذين حصلوا على سمعة كبيرة في منطقة المتوسط، وكان الأشهر والأقوى سمعة بينهم، وامتدت سمعته هذه إلى الغرب في العالم الروماني.

تغير كل شيء ابتداء من عام 540-550، عانت سورية خلال هذه الفترة من المجاعة، والأوبئة كالطاعون وغيره، وارتفاع معدلات الوفيات كل 10-15عاماً، كما عادت الحروب في هذه الفترة ضد الفرس.

تراجع السكان في الكتلة الكلسية في بداية القرن الثامن، وأصبحت الكتلة الكلسية شبه فارغة في القرن العاشر، وهذا الهجر هو الذي سمح بالحفاظ على القرى الكلاسيكية والتقسيمات الزراعية المجاورة لها.

تضم منطقة التسجيل 8 منتزهات:

  • المنتزه الأثري الأول في جبل سمعان- حلب ويحتوي على (قرية وقلعة دير سمعان ورفادة وست الروم وقطورة والشيخ بركات).
  • المنتزه الأثري الثاني في جبل سمعان- حلب (بطوطة ، سنخار والشيخ سليمان).
  • المنتزه الأثري الثالث في جبل سمعان- حلب (براد ، كفرنبو ، برج حيدر ، كالوتا ، وخراب شمس).
  • المنتزه الأثري الرابع في جبل الوسطاني- إدلب (كفر (عقارب وفاسوق وخربة بناصرة).
  • المنتزه الأثري الخامس في جبل الزاوية إدلب (دللوزة ، البارة ، الكفر ، وادي مرتحون ، خربة مجلية ، خربة ربيعة ، خربة حاس ، بشلة ، سرجيلا).
  • المنتزه الأثري السادس في جبل الزاوية – معرة النعمان (الرويحة والجرادة).
  • المنتزه الأثري السابع في باريشا – إدلب (بقيرحة ، خربة الخطيب ، دار قيتا وديرونة).
  • المنتزه الأثري الثامن في جبل الأعلى – إدلب – منطقة حارم (قلب لوزه – قرقببزة).

موقع سرجله  في جبل الزاوية ريف ادلب

كنيسة قلب لوزه في جبل الأعلى في ريف ادلب

8

برج جراده في ريف

9

ضريح مار مارون في موقع براد في جبل سمعان ريف حلب

القيمة العالمية الاستثنائية

تشكل القرى الأثرية في شمال سورية على مستوى ثمانية تجمعات تم اختيارها للتسجيل على قائمة الإرث الحضاري موقعاً ذا قيمة عالمية استثنائية.

يقع الموقع على مساحة حوالي 130كم2، يعيش فيه ما يقارب 10آلاف نسمة، وتمثل تجمعاته منطقة ما تزال تحتفظ بآثار الاستيطان البشري العائد إلى الفترة بين القرنين الأول والسابع واضحة، وحيث ساهمت النشاطات الإنسانية منذ الفترة الكلاسيكية بقولبة وتشكيل المشهد الذي ما يزال يحتفظ حتى اليوم الخواص التي تميز بها خلال أواخر الفترة الكلاسيكية والفترة البيزنطية. يسمح الوضع الاستثنائي للحفظ الذي تتميز به الأطلال والمشهد، اللذين هجرا لوقت طويل من قبل الإنسان، بالحصول اليوم على رؤية فريدة لا مثيل لها حول أسلوب حياة سكان هذه المنطقة، وبالتالي حول مظاهر الحياة ضمن المناطق الريفية في نهاية الفترة الكلاسيكية.

تم طرح الموقع للتسجيل على قائمة الإرث الحضاري وفق المعايير الثالث والرابع والخامس لأنه يظهر الطريقة الاستثنائية لنمو حضارة زراعية اندثرت، ولأنه يقدم من خلال أطلاله المعمارية العديدة مواقع صرحية ذات قيمة استثنائية في العالم المسيحي الشرقي، ولأنه يسمح بفهم الطرق الكلاسيكية لاستعمال الأراضي الزراعية، ورؤيتها على ارض الواقع.

يدعم القيمة الاستثنائية العالمية لموقع القرى الأثرية في شمال سورية حالة الحفظ الاستثنائية للأطلال، كالقبور والمساكن والمعابد والكنائس والأديرة التي حافظت غالباً على مواد بنائها الأصلية حتى كورنيش الأسقف. يعتبر تكامل المشهد والمواقع التي لا ينقصها إلا الأجزاء الخشبية والزخارف التي لم تستطع مقاومة الزمن فريداً.

هذا بالإضافة إلى أن أصالة المنطقة محفوظة تماماً بسبب الموقع المتطرف لها مما أبقاها لفترة طويلة خارج الأحداث التاريخية الكبيرة التي حصلت في نهاية الفترة الكلاسيكية إلى فترة الفرنجة إلى الفترة العثمانية، وحتى التحولات التي حصلت خلال فترة الانتداب وتأسيس الدول الحديثة.

معايير التسجيل على لائحة التراث العالمي (2011)

المعيار الثالث: أن تظهر تفرد التراث التقليدي الثقافي أو حضارة اندثرت أو مازالت حية.

تقدم القرى القديمة في شمال سورية ومناظرها الطبيعية شهادة استثنائية على أنماط الحياة والتقاليد الثقافية للحضارات الريفية التي نشأت في الشرق الأوسط، في سياق مناخ البحر الأبيض المتوسط في الجبال الكلسية المتوسطة الارتفاع في الشرق الأوسط. من القرن الأول إلى القرن السابع. 

المعيار الرابع: أن تكون شاهداً لنموذج العمارة أو البناء أو المواقع الطبيعية التي تمثل تاريخ البشرية خلال مرحلة معينة.

تقدم القرى القديمة في شمال سوريا ومناظرها الأثرية شهادة استثنائية على هندسة المنزل الريفي ومباني المجتمع المدني والديني في نهاية العصر الكلاسيكي وفي العصر البيزنطي. يرسم ارتباطهم في القرى وأماكن العبادة بأشكال المناظر الطبيعية المميزة للانتقال بين العالم الوثني القديم والمسيحية البيزنطية.

المعيار الخامس: أن يكون مثالاً بارزاً للتوطن الإنساني التقليدي، وللاستخدام التقليدي للأراضي أو البحر، بحيث يكون ممثلاً لحضارة (أو حضارات) أو للتفاعل بين الإنسان والبيئة، ولاسيما عندما تصبح هذه الأخيرة معرضة لتأثير تحول غير قابل للإرجاع.

تقدم القرى القديمة في شمال سورية ومناظرها الطبيعية القديمة مثالًا بارزًا على مستوطنة ريفية مستدامة من القرن الأول إلى القرن السابع، بناءً على الاستخدام الدقيق للتربة والمياه والحجر الكلسي، وإتقان إنتاج المحاصيل الزراعية القيمة. وتشهد على ذلك الوظيفة الاقتصادية للمساكن، والهندسة الهيدروليكية، والجدران الفاصلة المنخفضة الارتفاع ومخطط الأرض الزراعية الرومانية المتوضعة على المشهد الطبيعي الأثري.

إعداد: م. لينا قطيفان

                  مراجع:  

  • جاموس، ب. و قطيفان، ل. ،”مواقع التراث العالمي في سورية”، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق 2012
  • https://whc.unesco.org/en/list/1348

موقع وادي مرتحون في جبل الزاوية ريف ادلب

Loading

This is the sidebar content, HTML is allowed.