جغرافية وتاريخ الموقع
بصرى مدينة صغيرة في جنوبي سورية تبعد عن العاصمة دمشق، بحدود 140 كم وعن الحدود الأردنية 12كم، وترتفع عن سطح البحر 850 متراً، تبلغ مساحة المدينة القديمة 120 هكتار. وتقع في سهل النقرة الخصيب، على أطراف اللجاة الجنوبية قرب وادي الزيدي شمالاً ووادي البطم ذي الأراضي الزراعية الواسعة والمنبسطة جنوباً والذي توفرت فيه مصادر المياه الدائمة والموسمية.
وتعني كلمة «بصرى» في الكتابات السامية القديمة «الحصن»، وكان لموقعها المميز أثره الكبير في مكانتها المرموقة بين مدن الشرق القديم، حيث لعبت دوراً حضارياً وتجارياً مهماً.
كانت بصرى عاصمة دينية ومركزاً تجارياً هاماُ وممراً على طريق الحرير الذي يمتد إلى الصين ومنارة للحضارة في عدة عصور تعود لآلاف السنين، وكان الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أثناء رحلاته التجارية إلى دمشق (الشام) قد مر ببصرى وقابل الراهب بحيرا المسيحي الذي تنبأ بنبوته.
تعاقبت على المدينة العديد من الحضارات تاركة فيها أهم المنشآت الأثرية، ومن أسماءها بوسترا – نياتراجانا، وكانت بصرى في أكثر في الشرق وعاصمة دينية وعاصمة تجارية لعدة حضارات.
وتتميز بصرى بالتاريخ العريق للحضارات التي تعاقبت على الموقع اعتبارا من عصر البرونز الوسيط 2000 – 1500 ق. م والتي تتمثل بالحضارات الكنعانية ثم العمورية، ثم الآرامية ثم العصور الكلاسيكية التي بدأت عام 333 ق.م بالحضارة الهلنستية السلوقية إلى أن أصبحت عاصمة للأنباط في القرن الأول للميلاد، ثم عاصمة للولاية العربية الرومانية في عام 106 ميلادي، وفي العصر البيزنطي تحولت بصرى مركزاً لأسقفية المسيحية.
فتح بصرى خالدٌ بن الوليد بعد أن صالح أهلها وأمنهم على دمائهم وأموالهم وأولادهم، على أن يؤدوا الجزية.
شهدت بصرى أوج توسعها وازدهارها الحضاري في العصر الأيوبي، إذ كانت مقراً عسكرياً للملوك الأيوبيين. أما في العصرين المملوكي والعثماني فقد تقلص دور بصرى، ولكنها بقيت محطة هامة لقوافل الحجاج، فيها تتجمع ومنها تتزود بالمؤن. ثم صارت قوافل البدو تغير على قوافل الحجاج، فنقلت المحطة إلى مزيريب فهجر أهل بصرى مدينتهم.
ازدهرت بصرى في الفترة النبطية خلال القرن الاول قبل الميلاد، واصبحت على تماس مع الحضارة الهلنستية حيث امتدت المدينة وتوسعت ويبدو أن عدد سكانها قد تضاعف في ذلك الحين وازدهرت تجارتها وصناعتها، فازدانت بالمعابد والمباني وخططت فيها الشوارع الحديثة وارتفعت فوقها القصور الحديثة ثم بنى على المرتفع القريب منها خزان كبير لتزويدها بالماء طيلة أيام السنة. ويعود الفضل في نمو المدينة السريع إلى حركة القوافل التي جعلت من بصرى مركزا تمر فيه وتتبادل فيه البضائع.
القيمة العالمية الاستثنائية
ذُكِرت بصرى في رسائل تل العمارنة في القرن/14ق.م/ التي تمثل الرسائل الملكية بين الفراعنة والفينيقيين وملوك الأموريين. كانت بصرى العاصمة الشمالية للمملكة النبطية، وفي سنة 106 بدأ عهد جديد لبصرى عندما أصبحت على التوالي العاصمة للإقليم الروماني العربي. وعاصمة دينية هامة في الامبراطورية البيزنطية، ومركز توقف للقوافل، وشارك أساقفتها في مجلس أنطاكيا، كما كانت أول مدينة بيزنطية تخضع للفتوحات الإسلامية عام 634 م.
بصرى اليوم هي موقع أثري رئيس، يحتوي على بقايا رومانية وبيزنطية وإسلامية، وعلاوة على ذلك، نرى الأوابد النبطية والآثار الرومانية والكنائس المسيحية والمساجد والمدارس الدينية موجودة داخل المدينة.
إن السمة الرئيسة لبصرى تتمثل في مدرجها الروماني العائد للقرن الثاني والذي بني على الأغلب في عهد تراجان وهو محفوظ بشكل متكامل. هذا الصرح الفريد والمحاط بجدران وأبراج القلعة الرائعة، تم تحصينه بين عامي481 و1231، ويتسع المسرح لـ 15000 مشاهد ويعتبر هذا المسرح واحداً من المسارح الرومانية الهامة في تلك الفترة، وهو المسرح الوحيد المكتمل في العالم والذي بقي محتفظاً بمعظم أقسامه وسائر عناصر عمارته منذ العصر الروماني.
معايير التسجيل على لائحة التراث العالمي (1980)
المعيار الثالث: أن تظهر تفرد التراث التقليدي الثقافي أو حضارة اندثرت أو مازالت حية.
لا تزال المدينة تحمل في طياتها بقايا من الآثار النبطية والرومانية والبيزنطية والأموية في مبانيها. وهذه الأطلال، بما في ذلك المعالم الرئيسة المذكورة في إطار المعيار الأول،تحمل شهادة استثنائية لحضارات الماضي التي تواكبت عليها.
المعيار السادس: أن تكون قد تأثرت بالتقليد، بأحداث الحياة، بأفكار أو بمعتقدات أو بأعمال فنية. الأهم من ذلك أن ترتبط الأفكار أو المعتقدات مع الأحداث أو مع أشخاص لهم أهمية التاريخية.
تعني بصرى الكثير للمسلمين وذلك لما ورد في كتب التاريخ و السيرة النبوية من رؤية أم النبي محمد (ص) أثناء حملها فيه لقصور بصرى ولقائه مع الراهب بحيرا والبشارة بنبوته وزيارته لبصرى في شبابه خلال عمله بالتجارة.
إعداد: م. لينا قطيفان
المراجع:
- جاموس، ب. و قطيفان، ل. ،”مواقع التراث العالمي في سورية”، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق 2012
- https://whc.unesco.org/en/list/22
عدد الزوار 688