http://dgam.gov.sy/wp-content/uploads/2020/10/header.png

مشهد عام لمدينة حلب القديمة باتجاه الجامع الأموي

جغرافية وتاريخ الموقع:

تقع حلب في شمال سورية، وتبعد حوالي 100 كم عن الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط وحوالي 50 كم عن الحدود التركية إلى الشمال.  إن مدينة حلب القديمة، التي تتنشر على مساحة  355 هكتار، وقلعتها الشهيرة هما دلالة معبرة عن توطنٍ لمجتمع إسلامي رَغِدِ وفيها أكثر من 150 أثرًا هامًا تمثل مختلف الحضارات الإنسانية والعصور. علاوة على ذلك فإن المدينة تزخر بأنماط معمارية غربية ووافدة من أوائل ومنتصف القرن العشرين. لقد خلق هذا المزيج فسيفساء حضارية فريدة ذات قيمة عالمية تاريخياً وفنياً وعلمياً.

الموقع الفريد ومزيج من عوامل عدة كالتضاريس والزراعة والسكان النشطون جعل حلب تتحكم في معظم التجارة العالمية لهذا القسم من العالم. تنتشر في حلب وما حولها المعالم والأوابد ومواقع الآثار التي تُظهر عمارة وحياة وطريقة عيش الحضارات المحلية المتتالية.

يعود تاريخ حلب إلى القرن العشرين قبل الميلاد، عندما نشأت فيها مملكة عمورية عرفت باسم يمحاض، وكان لها علاقات ودية مع مملكة ماري وقطنا وكركميش. في نهاية القرن السابع عشر قبل الميلاد  دمر الملك الحثي مرشيل حلب عند استيلائه على شمال سورية؛ ثم تناوب عليها الحثيون والميتانيون قبل أن تستقر تحت السيطرة الحثية سنة 1430 ق.م، ولم تنتهِ هذه السيطرة إلا بنهاية سيطرة الحثيين على الأناضول في القرن الثالث عشر ق.م.

بعد ذلك، بسط كل من الآراميين والآشوريين والفرس نفوذهم على منطقتها دون أن يعطوا المدينة أهمية تذكر، واستمرت كذلك، إلى أن قامت الدولة السلوقية، عندما بنى سلوقس نيكاتور الأول في موقع حلب مستعمرة مقدونية أطلق عليها اسم «بيرويا»، ورغم عدم أهميتها الاستراتيجية لدى السلوقيين، إلا أن المدينة الناشئة استفادت من ازدهار المدن الرئيسة كـأنطاكية وأفاميا واللاذقية وسلوقيا لتصبح مركزاً تجارياً هاماً في شمال وشرق سورية.

استولى الرومان على بلاد الشام سنة 64 ق.م، حيث نعمت حلب بحقبة طويلة من السلم تحت سلطتهم، وأنشأ الرومان فيها أسواقاً وساحة عامة واسعة وشارعاً عريضاً له رواق بأعمدة من الجانبين. استمر ازدهار المدينة في العهد البيزنطي حيث وُجدت فيها طائفة مسيحية كبيرة قديمة العهد، كما استقر فيها الكثير من اليهود وغيرهم، وذلك لتمتع المدينة بحياة اقتصادية ناجحة ومزدهرة.

شكل الغزو الفارسي سنة 540م ضربة قاصمة لحلب، فقد أحرق الفرس المدينة، ولكن القلعة التي لجأ إليها الأهالي ثبتت لهجمات الغزاة. أعاد الإمبراطور جوستينيان الأول بناء مواقعها الدفاعية، وبنى فيها كاتدرائية جميلة، ولكن تهديد الفرس المستمر حال دون ازدهار المدينة من جديد.

في عام16هـ/637م وصلت قوات المسلمين بقيادة أبي عبيدة بن الجراح إلى ضواحي حلب، فحاصرتها، ولم يلبث أهلها أن طلبوا الصلح والأمان فأعطوا ذلك. أضيفت حلب وقنسرين إلى جند حمص، عند تقسيم الشام إلى أجناد على يد الخليفة عمر بن الخطاب؛ ولم يكن لحلب شأن إداري وسياسي في العهد الأموي، رغم أن ابن العديم يذكر أن الخليفة سليمان بن عبد الملك بنى أول مسجد جامع في حلب، ويحكى أنه كان يضاهي مسجد دمشق من حيث روعة زخارفه ونقوشه وأن الخليفة جهد أن يكون معادلاً لعمل أخيه في دمشق. وبانتقال الحكم إلى العباسيين فقدت دمشق مكانتها كعاصمة للدولة الإسلامية وتراجعت اقتصادياً، ولكن حلب بدأت أهميتها تزداد شيئاً فشيئاً حتى صارت حلب من أهم مدن شمال سورية في العصر العباسي. وفي النصف الثاني من القرن الثالث الهجري ضمها أحمد بن طولون إلى ولايته المصرية، ثم عادت حلب تابعة للخليفة سنة 284 هـ.، وفي عام 325 هـ/936م دخلت الشام بما فيها حلب ضمن أعمال والي مصر المعروف بـالإخشيدي.

مشهد عام لمدينة حلب القديمة باتجاه القلعة

البيمارستان الأرغوني

الأسواق في حلب القديمة

عادت أهمية حلب من جديد مع دخول سيف الدولة إليها عام 333هـ/944م. أصبحت حلب مركزاً لإمارة الحمدانيين الذين امتد حكمهم في الفترة 333-394هـ/944-1003م،وغدت أهم مدينة في شمالي الشام، كما شغل سيف الدولة نفسه في الجهاد ضد الإمبراطورية المتعاظمة القوة، وتمكن نقفور سنة 351هـ/962م من الاستيلاء على مدينة حلب دون قلعتها، ونهب المدينة وقتل الناس وأحرق المساجد، وجمع كميات كبيرة من الغنائم وأعداداً كبيرة من الأسرى، ثم تراجع إلى بلاده. استمر أمراء حلب بدفع الجزية أيام الدولة المرداسية 1023-1079م ولكن المدينة عادت وازدهرت نتيجة للنشاط التجاري المتوسع، حيث كانت تمر فيها تجارة الشام والروم وديار بكر ومصر والعراق، مما أدى إلى انتشار الثراء والرخاء في المدينة.

استولى عماد الدين زنكي صاحب الموصل على حلب سنة 522هـ، فأعاد إليها الأمن والاستقرار، ووسع ابن عماد الدين رقعة دولته بضم حماة  وحمص وبعلبك، خلفه انور الدين محمود في حكم الموصل وحلب وملحقاتها. وجعل من حلب مدينة مزدهرة، فأعاد بناء الأسوار، ورمّم القلعة والجامع الكبير،

KONICA MINOLTA DIGITAL CAMERA

الأزقة الحجرية في حلب القديمة 

جامع السلطانية كما يبدو من قلعة حلب

مدرسة الفردوس

 وأعاد بناء الأسواق وأصلح الأقنية وبنى فيها بيمارستاناً وداراً للعدل، وعدداً من المدارس التي عهد بالتدريس فيها إلى فقهاء الأحناف والشافعية. احتل العثمانيون حلب بعد معركة مرج دابق سنة 922هـ/1516م، وبقيت عاصمة كما كانت عليه أيام المماليك.

عانت حلب كغيرها في عهد العثمانيين من ثقل الضرائب والمشاكل المتأتية عن ظلم العثمانيين وفرقهم العسكرية، ومع ذلك حافظت على أهميتها التجارية، وتطورت بحيث غدت في وقت من الأوقات السوق الرئيسة للشرق كله. ولكنها بدأت بالتراجع منذ عام 1775م بسبب فساد الإدارة، وحدوث زلزال عام 1822م الذي هدم الجزء الأكبر من المدينة، وتغير طرق التجارة العالمية وفقدان الشرق الكثير من أهميته.

استولى المصريون على حلب من عام 1831 إلى عام 1839، وأثقل إبراهيم باشا كاهل المدينة بالضرائب التي فرضها لصالح جيوشه، وبنظام الاحتكار الذي أدخله عليها، ومع ذلك فإن هذه الفترة مهدت لحدوث تغيرات فعالة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على الأوضاع الاجتماعية والإدارية والحياة الاقتصادية، واتصلت حلب بحماة ودمشق بخط حديدي سنة 1906م وباسطنبول وأوروبا سنة 1912م بقطار الشرق السريع.

بقيت حلب تابعة للسلطنة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى 1918. ويحتل القسم القديم من المدينة الجزء المنخفض الذي يتوسط المدينة، ويعكس بما يضم من معالم الطابع التاريخي لها، إن أكثر الأبنية فيها مبنية بالحجارة الحلبية المشهورة بلونها الأشهب، الذي يُنسب إليه، كما يقال اسم حلب الشهباء. إضافة إلى الأسواق المغطاة الشبيهة  بأسواق دمشق القديمة، يضم هذا القسم القديم كلاً من الأحياء التالية: الكلاسة، باب النيرب، المشارقة، قسطل الحجارين، والسويقة. وجميعها تشترك بشكل أزقتها الضيقة وبيوتها المتلاصقة ذات الشرفات المستورة والواجهات الخشبية التي تتم الإطلالة منها على الخارج عبر نوافذ صغيرة. إن الازدهار التجاري الذي تمتعت به حلب مدة طويلة تجلى في ازدياد عدد أسواقها وخاناتها التي بنيت لإقامة التجار الأجانب، وهذه الخانات العثمانية لا تزال محافظة على بنيانها.
وقد أولى الولاة اهتماماً كبيراً ببناء المدارس والمساجد الكبيرة وفق الأسلوب الهندسي الاستانبولي، كـجامع الخسروفية وجامع بهرام باشا والمدرسة الأحمدية والمدرسة الشعبانية ومدرسة عثمان باشا.

الأزقة الحجرية في حلب القديمة 

لقطة من داخل الجامع الأموي في حلب القديمة تظهر فيها المئذنة

المدرسة الحلاوية:

وقد كانت بالأساس كاتدرائية القديسة هيلانة الكبيرة البيزنطية التي تعود إلى فترة حكم جوستانيان. وعندما حاصر الفرنج المدينة، رد السكان بقيادة القاضي ابن الخشاب على هذا الحصار بتحويل أربع كنائس إلى مساجد في أوائل القرن السادس/ الثاني عشر. وقد كانت إضافة محراب إلى جدار يواجه القبلة للدلالة على اتجاه الصلاة هي الطريقة المختارة لتحويل المبنى. عندما دخلت حلب تحت حكم نور الدين، تابع ما بدأه ابن الخشاب، وحول المسجد إلى مدرسة دينية سماها المدرسة الحلاوية عام 543/ 1149.

مئذنة الجامع الأموي:

تعتبر المئذنة مثالاً رائعاً على العمارة بالحجر خلال القرن الخامس/ الحادي عشر في سورية وقد أمر ببنائها أحد أعيان حلب، وهو القاضي ابن الخشاب، وهي تعود إلى الجامع الأموي، المبنى الهام المشابه لجامع دمشق الكبير الذي تم تجديده من قبل السلاجقة والأتابكة والمماليك. وتظهر المئذنة استمرارية لتقاليد العمارة الحلبية. وتذكر المصادر التاريخية أن ابن الخشاب بادر بإعادة بناء المئذنة، وهي لذلك لا تحمل تأثيرات الذوق التركي بل الذوق العربي الحلبي. بناء المئذنة من الحجر الكلسي، وقاعدتها مربعة مساحتها 4.95م2، وارتفاعها يصل إلى 45م، لها 140 درجة ملتفة تمتد على كامل ارتفاعها حتى تصل إلى شرفة المؤذن. تتألف المئذنة من ستة طوابق، زخارفها الخارجية مقسمة على التتابع إلى خمسة حقول أفقية، تعلوها ظلة خشبية على شكل قبة. وقد تم نقش كتابات بالخطين الكوفي والثلث الأنيقين المستخدمين خلال الفترة الأتابكية على الحجر عند كل منسوب.، وكلما ارتفع المنسوب في المئذنة، زادت الزخارف إتقاناً، وارتفعت درجة التفاخر في الكتابات حسب الترتيب السياسي الطبقي..

القيمة العالمية الاستثنائية

تقع حلب على مفترق طرق تجارية عديدة من الألف الثاني ق.م، توالى على حكمها  الحثيون والأشوريون والأكديون واليونانيون والرومان، والأمويون  والأيوبيون والمماليك والعثمانيون الذين تركوا بصماتهم على المدينة.

تمثل القلعة التي بنيت في القرن 12 والجامع الكبير، ومختلف المدارس التي نشأت في الفترة ما بين القرن 16 والقرن 17والمنازل والخانات والحمامات العامة مجموعة متماسكة تشكل جزءاً من المدينة والنسيج الحضري فريداً من نوعه.

قلعة حلب الأثرية، المشرفة على الأسواق والمساجد والمدارس الدينية في المدينة القديمة المسورة جميعها، دليل على القوة العسكرية العربية من القرن 12 إلى القرن 14. وبالإضافة إلى بقايا الحضارات التي يعود تاريخها الى القرن 10 قبل الميلاد، تحوي القلعة بقايا المساجد، القصر، الحمام والمباني.

إن المدينة المسورة التي نشأت حول القلعة تحمل جميها أدلة على التخطيط المبكر للشارع اليوناني الروماني بما تحتويه من  بقايا مبان القرن السادس المسيحي، وتمثل الجدران وبوابات القرون الوسطى والمساجد والمدارس الدينية الأيوبية والمملوكية تطور المدينة في  العصر العثماني.

وخارج الأسوار، تمتد في مناطق شمال غرب باب الفرج، شمال الطريق الجديد، ومناطق أخرى في الجنوب والغرب، أحياء معاصرة لنشوء المدينة المسورة وتحتوي على مباني دينية هامة ومساكن.

تعتبر قلعة حلب إحدى التحف المعمارية بين القلاع الإسلامية، وقد سبق واستخدم التل الطبيعي الذي بنيت عليه القلعة لفترة طويلة كحصن أو معقل، وهو يحوي دلائل على وجود معبد حثي يعود إلى الألف الأول ق.م، وخلال الحكم الحمداني لحلب في فترة سيف الدولة في القرن الرابع/ العاشر، تم الشروع في بناء القلعة، وأعاد نور الدين بناء الجزء الداخلي، وحصن دفاعات القلعة عندما حكم حلب في أوائل القرن السادس هـ/ الثاني عشر م، وتضمنت أعمال التوسع التي قام بها بناء مقام إبراهيم، وهو مزار هام يرتبط بالنبي إبراهيم، لكن الجزء الأكبر من الأقسام المتبقية حتى اليوم يعود إلى فترة الملك الظاهر غازي، أحد أبناء صلاح الدين، الذي حكم في الفترة 582-613/ 1186-1216. وقد أمر بحفر الخندق حتى 22م، وبنى الجسر الرائع، ومنحدرات القلعة من الحجر الناعم المنيع، والأبراج الكبيرة، والبوابة المذهلة المصممة لمنع وصول أي عدو يمكن أن يقترب من القلعة..

مشهد عام لمدينة حلب القديمة باتجاه القلعة

الأسواق في حلب القديمة

معايير التسجيل:

المعيار الثالث: أن تظهر تفرد التراث التقليدي الثقافي أو حضارة اندثرت أو مازالت حية.
تعكس المدينة القديمة في حلب ثقافات غنية ومتنوعة على التوالي. وتحمل تأثير الكثير من فترات التاريخ في نسيجها المعماري. نجد بقايا وعناصر من الحضارة الحثيية، الهلنستية والرومانية والبيزنطية والأيوبية في قلعتها الضخمة. هناك خليط متنوع من المباني بما في ذلك المسجد الكبير الأموي، وبقايا مدرسة حلاوية من القرن 12 التي تضم كاتدرائية حلب المسيحية، جنبا إلى جنب مع المساجد الأخرى، وكذلك المدارس، والأسواق والخانات وتشكل جميعها انعكاساً استثنائياً للجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لمدينة كانت يوما واحدة من أغنى المدن للبشرية جمعاء.

المعيار الرابع: أن تكون شاهداً لنموذج العمارة أو البناء أو المواقع الطبيعية التي تمثل تاريخ البشرية خلال مرحلة معينة.

إن حلب من الأمثلة البارزة لمدينة القرن 12 الأيوبية مع التحصينات العسكرية التي شيدت كنقطة اتصال بعد انتصار صلاح الدين على الفرنجة. وخندق القلعة وجدارها الدفاعي الضخم المائل، الذي بُني من الحجر المنحوت والبوابة الكبيرة  جميعها تشكل  مجموعة رئيسة للعمارة العسكرية في ذروة القوة العربية ضد الغزاة الغربيين. إن أعمال القرون الأولى بما في ذلك الأبراج الكبيرة والجسر الحجري وتعزيز مدخل  القلعة تمثل جميعها جودة معمارية كبيرة.

يحيط بالمدينة العديد من المساجد من نفس الفترة بما في ذلك المدرسة الدينية الفردوس، التي شيدت من قبل ضيفة خاتون في عام 1235. تعتبر مدرسة الفردوس إحدى أعظم المجمعات الدينية التي تم إنشاؤها خلال الفترة الأيوبية، وقد كانت راعيتها امرأة أيوبية قوية هي ضيفة خاتون، ابنة أخ صلاح الدين، وزوجة ابنه الذي حكم حلب مستقلاً عن الدولة الأيوبية لمدة 20 عاماً. ولما كانت مقيمة في قلعة حلب، أرادت ضيفة خاتون أن يكون المجمع بمثابة ضريح ملكي، وزودته بتربة ومسجد ورباط لإقامة الصوفيين، ومدرسة لتعليم علوم الدين، وأوقفت له الكثير من الأملاك.

إعداد: م. لينا قطيفان

المراجع:

  • جاموس، ب. و قطيفان، ل. ،”مواقع التراث العالمي في سورية”، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق، 2012
  • https://whc.unesco.org/en/list/21/

عدد الزوار 834 

This is the sidebar content, HTML is allowed.