جغرافية وتاريخ المدينة:
تقع مدينة دمشق جنوب سورية على الطرف الغربي لحوض دمشق، وتطوقها سلاسل جبال القلمون ولبنان الشرقية من الشمال والغرب، والمرتفعات البركانية لحوران والجولان من الجنوب والشرق. وقد قامت دمشق القديمة على الضفة الجنوبية لنهر بردى، الذي يُعد شريان الحياة في المدينة وتشكل الجبال الواقعة إلى الغرب من دمشق حاجزاً طبيعياً للمطر القادم من البحر المتوسط.
كانت دمشق في الفترة الآرامية عاصمة لمقاطعة أرامية صغيرة. ونظراً لضرورة وجود معبد للمدينة نجد أن المعبد الآرامي (معبد حدد) كان متوضعاً في موقع الجامع الأموي الحالي، حيث حوى الموقع أيضا معبد جوبيتير الروماني وكنيسة يوحنا المعمدان البيزنطية. ويرجح على الأغلب أن شبكة جر المياه لري المدينة من نهر بردى تم مدها في هذه الفترة. عندما وقعت سورية تحت سيطرة الاسكندر الكبير انتشر مناخ تحضر كلاسيكي غربي، وخلال تلك الفترة كانت دمشق مستعمرة يونانية، وقد خططت على غرار المدن اليونانية فالمدينة شبكة منتظمة من الشوارع ضمن شكل مستطيل. في الفترة الرومانية أصبحت دمشق واحدة من المدن العشر الرومانية دائمة الأهمية. ازدهرت التجارة الدمشقية بين الشرق والغرب وانتشرت البضائع الدمشقية في كل الأصقاع بفضل التجار الدمشقيين. كان الغنى التجاري أساساً لان تكون دمشق واحدة من أهم المدن الرومانية، وهذه الأهمية تطلبت توسعاً وتعديلاً للمدينة لتضم مباني هامة ضخمة. مع سقوط الإمبراطورية الرومانية في أواخر القرن الرابع الميلادي غدت دمشق عاصمة لمقاطعة الشرقية للإمبراطورية البيزنطية، وحافظت دمشق في هذه الفترة على ازدهارها الاقتصادي والاستراتيجي. كما تم تحصين أجزاء من المدينة عسكرياً لحماية الحدود الشرقية للإمبراطورية البيزنطية ضد هجمات الفرس. لحوالي مائة عام وبدءاً من حوالي عام 661 م بقيت دمشق عاصمة السلالة الأموية. وبقي تخطيط المدينة أقرب لما كان عليه في الفترة البيزنطية. كان الأمر الرئيس في بدايات هذه المرحلة الحاجة الماسة للمساجد كونها ليست فقط أماكن للعبادة، ولكنها كانت للنقاشات السياسية، الاجتماعية والعلمية أيضاً لذا تم تحويل بعض أبنية الكنائس الموجودة في المدينة إلى مساجد. بقيت المدينة داخل الأسوار وبدأ في هذه الفترة ظهور «الممرات الضيقة الملتوية» ولم يبق المخطط منتظم الشبكة. وتم تحويل كاتدرائية يوحنا المعمدان إلى المسجد الأموي الكبير، وذلك حوالي عام 705م والذي أصبح نموذجاً للمساجد بكل أنحاء العالم. بعد ذلك انتقلت عاصمة الخلافة من دمشق إلى بغداد مع انتقال الخلافة من الأمويين إلى العباسيين حوالي العام 750. وفقدت دمشق حينها الكثير من أهميتها، وترك التنافس بين الأمويين والعباسيين أضراراً جسيمة في منشآت المدينة.
كنيسة حنانيا:
تعتبر الأقدم في دمشق بعد الكتدرائية المريمية ومن أقدم الكنائس في العالم تعود للحقبة الرومانية،. حافظت هذه الكنيسة على أصالتها رغم توالي القرون فبقيت دمشقية الروح في زخارفها وتزييناتها الحجرية والخشبية وفي طرازها المعماري وبنائها وتقسيماتها.
قلعة دمشق:
مرت بمراحل حضارية كثيرة عبر تاريخها الطويل، في العصر السلجوقي قام الأمير السلجوقي اتسز بن أوق عام 1076م ببناء القلعة، وبعده قام الأمير أرسلان بتكملة البناء، وبعد أن سيطر الأيوبيون على دمشق قام حاكمها الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبي بإعادة بنائها وتمنيعها وزيادة أبراجها.
القيمة العالمية الاستثنائية:
برزت أهمية دمشق منذ الألف الثالث ق.م وأصبحت مركزاً مهماً للنفوذ التجاري والثقافي وذلك بحكم موقعها الجغرافي على مفترق طرق القوافل بين الشرق والغرب وبين أفريقيا وآسيا. وتعد دمشق القديمة من بين أقدم المدن المأهولة باستمرار في العالم وأهم مدينة في المنطقة.
برزت أهمية دمشق منذ الألف الثالث ق.م وأصبحت مركزاً مهماً للنفوذ التجاري والثقافي وذلك بحكم موقعها الجغرافي على مفترق طرق القوافل بين الشرق والغرب وبين أفريقيا وآسيا. وتعد دمشق القديمة من بين أقدم المدن المأهولة باستمرار في العالم وأهم مدينة في المنطقة.
أثبتت حفريات تل الرماد في مشارف المدينة أن دمشق كان مأهولة في الفترة ما بين 8000 إلى 10000 قبل الميلاد. مع ذلك، لم يتم توثيقها على أنها مدينة مهمة حتى وصول الآراميين الذين شكلوا دولة قوية بقيت في أوج عظمتها أكثر من خمسة قرون. وفي فترة العصور الوسطى، كانت مركزا مزدهراً للصناعات الحرفية ولعبت دوراً عريقاُ كقلب للنشاط الاقتصادي والفني والخزفي، وتخصصت مناطق مختلفة من المدينة بحرف معينة.
تمتاز أوابدها بأنها تعود لعدة فترات وحقب زمنية من الحضارات التي تعاقبت على المدينة العريقة التي يعود تاريخ بنائها إلى الفترة الهلنستية والرومانية والبيزنطية والإسلامية.
على وجه الخصوص ، عندما جعلت الخلافة الأموية دمشق كعاصمة لها، مما مهد الطريق للتطور المستمر للمدينة كمدينة عربية مسلمة، تركت ولا تزال كل سلالة حاكمة بصماتها فيها.
على الرغم من التأثير السائد للإسلام في المدينة، لا تزال آثار الثقافات السابقة، وخاصة الحضارة الرومانية والبيزنطية، ظاهرة فيها. وبالتالي، فإن المدينة اليوم مبنية على مخطط روماني وتحافظ على مظهر وتوجيه المدينة اليونانية، حيث أن جميع شوارعها موجهة نحو الشمال والجنوب أو الشرق والغرب وهي مثال رئيسي على التخطيط الحضري خلال تلك الفترة.
أقرب الشواهد المادية المرئية حالياً التي تعود إلى الفترة الرومانية تظهر في بقايا السور الحجري الكبير المحيط بمدينة دمشق وأبوابها، وإلى هذه الفترة يعود تأسيس الشارع المستقيم الذي يبلغ طوله 1500م (شارع مدحت باشا حالياً) ومعبد جوبيتر. بالرغم من أن دمشق كانت حاضرة الأمويين، إلا أنه لا يظهر الكثير من معالم هذه الحقبة الهامة من تاريخ المدينة باستثناء المسجد الكبير الذي لا يُضاهى. أما أسوار المدينة الحالية، القلعة، وبعض المساجد والمقابر فإنها تعود إلى فترة حكم الأيوبيين والمماليك، لكن الجزء الأكبر من المدينة بني في الفترة العثمانية مع بداية القرن السادس عشر.
معايير التسجيل:
المعيار الأول: تمثل إنجازاً فريدًا فنياً أو جمالياً، وتحفة من عبقرية الإنسان الخلاقة
تشهد دمشق على تحقيق جمالية فريدة من الحضارات التي تعاقبت عليها. تتمثل بالجامع الأموي الذي هو تحفة العمارة الأموية، جنباً إلى جنب مع المعالم الرئيسة الأخرى التي تعود إلى فترات مختلفة مثل القلعة وقصر العظم والمدارس والخانات.
المعيار الثاني: أن تعرض التغييرات الهامة للقيمة البشرية خلال الزمن أو في بقعة ثقافية في العالم أو أن تعرض تطور العمارة أو تقنيتها، فن التزيين، تخطيط المدن أو تصميم المواقع الطبيعية
دمشق، عاصمة الخلافة الأموية -الخلافة الإسلامية الأولى- تُظهر نموذجاً مهماً ورئيسياً لنظام المدن العربية الذي ظهر لاحقاً، وإن وجود الجامع الكبير المتوضع وسط مخطط حضري منبثق عن الشبكة اليونانية الرومانية المتعلقة بتخطيط المدن، جعل هذه المدينة نموذجاً يحتذي به في العالم العربي الإسلامي.
المعيار الثالث: أن تظهر تفرد التراث التقليدي الثقافي أو حضارة اندثرت أو مازالت حية
تدل المصادر التاريخية والأثرية على أن أصول المدينة ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، ومن المعروف أن دمشق من أقدم المدن المأهولة باستمرار في العالم التي كان لها اشعاع وتأثير على المجتمع البشري في كافة العصور، وتملك المدينة تراثاُ معمارياً ضخماً فالجامع الكبير نصب نادر وهام للغاية من الفترة الأموية، وأسوار المدينة الحالية، القلعة، وبعض المساجد والمقابر مازالت موجودة من فترة القرون الوسطى، وجزء كبير من الأوابد بنيت في المدينة بما في ذلك القصور والمنازل ضمن الفترة العثمانية أي بداية القرن السادس عشر.
المعيار الرابع: أن تكون شاهداً لنموذج العمارة أو البناء أو المواقع الطبيعية التي تمثل تاريخ البشرية خلال مرحلة معينة
تضم مدينة دمشق كل فنون العمارة منذ ثلاثة آلاف عام حتى الآن وأهمها الجامع الأموي الكبير، المعروف أيضا باسم المسجد الكبير في دمشق، وهو واحد من أكبر المساجد في العالم، وواحد من أقدم مواقع الصلاة المستمرة منذ ظهور الإسلام.
شكل الجامع الأموي بدمشق بعداً ثقافياً مهماً، وتطوراً اجتماعياً وفنياً. قام على بقعة ظلت مكاناً للعبادة آلاف السنين فقد كان معبداً آرامياً للإله (حدد) عند السوريين والعرب القدماء منذ ثلاثة آلاف سنة، وفي بداية الميلاد أصبح معبداً وثنياً لجوبيتر الدمشقي أيام الرومان، وحين انتشرت المسيحية في القرن الرابع تحول إلى كنيسة باسم يوحنا المعمدان. وبعد ذلك أبان الفتح الإسلامي لدمشق، اتفق المسلمون والمسيحيون في حينه على استخدامه لأداء فرائض العبادة جنباً إلى جنب.
معايير التسجيل
المعيار السادس: أن تكون قد تأثرت بالتقليد، بأحداث الحياة، بأفكار أو بمعتقدات أو بأعمال فنية. الأهم من ذلك أن ترتبط الأفكار أو المعتقدات مع الأحداث أو مع أشخاص لهم أهمية التاريخية
يرتبط تاريخ المدينة ارتباطاً وثيقاً مع الأحداث التاريخية الهامة، والأفكار، والتقاليد، وخاصة في الفترة الإسلامية مما ساعد على تشكيل صورة المدينة وأثرها في التاريخ والثقافة الإسلامية، كما تُظهر المدينة تقاليد عريقة في السلوك الإنساني والحياة الثقافية والحضارية.
الأصالة (2009)
ما زالت المدينة القديمة بحدود أسوارها وعمارتها المميزة محافظة على وجودها. تعتبر المناطق الواقعة خارج الأسوار التي تمثل التوسع في المدينة من القرن الثالث عشر، متصلة بالمدينة القديمة من حيث الأهمية التاريخية، وتشكل المفتاح الرئيس لسمات القيمة العالمية الاستثنائية للمدينة التي تقع داخل السور.
وهذا يشمل مخطط المدينة ونسيجها الحضري الكثيف والأسوار والبوابات، وكذلك ال 125 آبدة أثرية بما في ذلك المسجد الأموي والمدارس، الخانات، القلعة والمنازل الخاصة.
السلامة (2009)
منذ التسجيل، لم يطرأ تغير أساسي على تخطيط المدينة والنمط المكاني للنسيج التاريخي، وبقيت سماته الرئيسة على قيد الحياة. ولكن انتشار الأنشطة التجارية وشبه الصناعية في بعض الأماكن ضمن المناطق السكنية في المدينة المسورة وضواحيها، أدى إلى التأثير على السمات التي تتعلق بالنسيج الحضري وعلاقته مع بعض.
إعداد: م. لينا قطيفان
مراجع:
- جاموس، ب. و قطيفان، ل. ،”مواقع التراث العالمي في سورية”، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق 2012
- https://whc.unesco.org/en/list/20/
عدد الزوار 774