قلعة الحصن
جغرافية وتاريخ القلعة
تُعد قلعة الحصن إحدى القلاع المبنية خارج المدن والأكثر شهرة في الشرق إبان فترة القرون الوسطى، وبالنتيجة فهي مذكورة في الوقائع التاريخية العربية واللاتينية واليونانية والأرمنية. امتلكها فرسان الاسبتارية من عام 1142 وحتى عام 1271، وهي مذكورة أيضاً في سجلات هذه الرهبانية العسكرية التي جمعت مجمل الأحداث المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بهذا المكان.
تعرف اليوم تحت اسم حديث (قلعة الحصن) وتقع في شمال سورية في منتصف المسافة بين الساحل وحمص. وتطل كآخر قلعة من العصور الوسطى في جبال الساحلية على السهل الواصل بين الساحل (طرطوس وطرابلس) وبين منطقة حمص، وهو ممر عبور معروف تحت اسم (سهل الغاب)، إن هذه أهمية القلعة الاستراتيجية كانت سبباً لعدة صراعات بين الفرنجة والمسلمين في فترة الفرنجة. وقد عرف الموقع أول إشغال مهم له في الثلث الأول من القرن الحادي عشر وذلك بإقامة معسكر للأكراد من قبل أمير حمص، وقد أعطى هذا الحدث اسم أكراد للقلعة بحسب المصادر العربية في العصور الوسطى والحديثة. لذا كان أصل كلمة «crat» بالمصادر اللاتينية التي وصلتنا مأخوذ عن«crad». وقد احتل الفرنجة القلعة للمرة الأولى خلال الحملة الأولى عام 1099، وتم الاستيلاء عليها من قبل Raymond de Saint-Gilles عام 1110 وألحقت بعد عامين بممتلكات حاكم طرابلس.
في العام 1142 أعطيت القلعة لفرسان الاسبتارية في إطار سياسة عامة لمركزة ومراقبة الإقطاعيات الصليبية المحكومة خلال القرن الثاني عشر بأكملها من قبل رهبانيات تابعة لفرسان الاسبتارية وفرسان المعبد والتوتونيك (teutoniques) وهي الوحيدة القادرة بإمكانياتها المالية وقوتها العسكرية على تنظيم الدفاع عن الأملاك الصليبية وصيانة القلاع المخربة بالكوارث والغارات الإسلامية المتكررة. احتفظ فرسان الاسبتارية بالقلعة خلال أكثر من قرن ونفذوا عدة حملات تدعيم للموقع وحولوه لمكان إقامة مهم لنخبة الاسبتارية وقاعدة عمليات ضد الممالك الإسلامية.
تخلى الأمير الأيوبي صلاح الدين عن فكرة حصارها عام 1188 فلم تسقط القلعة سوى بعد قرن في 8 نيسان 1271 بيد السلطان المملوكي بيبرس وبعد حصار دام أكثر من شهر. رغم تضرر القلعة بعد قصفها بالمنجنيقات لكنها لم تهدم على يد السلطان الذي فهم أهميتها الإستراتيجية في دعم وضعه ومساعدته على غزو الأراضي اللاتينية فقرر ترميمها وتحسينها ليجعلها قاعدة عمليات ضد الفرنجة.
تواصلت الأعمال تحت حكم قلاوون وهو قائد آخر قاد الحملات المضادة للفرنجة وقد أعطى اللمسة الأخيرة للقدرة الدفاعية للقلعة التي أصبحت هدفاً لترميمات جديدة نهاية القرن الـثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر بسبب سلسـلة من الهزات الأرضية، ثم فقدت القلعة أهميتها الإستراتيجية بعد نهاية فترة الفرنجة وهُجرت مع الوقت حتى خلت من أي حامية وفي القرن التاسع عشر. احتل سكان القرية الموقع وسكنوا فيه داخل السور حتى فترة الانتداب الفرنسي.
تقع القلعة على مرتفع بازلتي شبه منحرف يفصله عن الجبل في الجانب الجنوبي خندق صناعي، وتنقسم القلعة إلى منطقتين دفاعيتين متكاملتين. لقد تم تنظيم القلعة العليا، المبنية على نتوء صخري في وسط الموقع، حول فسحة سماوية مركزية، ولها سور مزدوج شبه منحرف، وهي تتضمن المجمع المعماري الديني المؤلف من كنيسة صغيرة وغرفة ورواقاً، ومقراً محصناً بني على الجهة الجنوبية يتألف من ثلاثة أبراج ضخمة تستعمل مركزاً للعمليات، ومقراً لإقامة الصفوة من الإسبتارية.
وحول القلعة المرتفعة، تحوي الفسحة السماوية المنخفضة بقايا معمارية لمنشآت صليبية كالأسوار الغربية والشمالية، والإسطبل، والبركة على الجهة الجنوبية والمدخل المحصن على الجهة الشمالية. تظهر مساهمة المماليك واضحة في بناء القلعة إذ تشكل جزءاً أساسياً فيها، وقد تم إنجاز أغلب الأعمال الهامة خلال الثلث الأخير من القرن الثالث عشر، وأدى إلى تحسين كبير في الدفاعات التي بناها الإسبتارية، فقد تم إنشاء أسوار وأبراج جديدة على الواجهات الجنوبية والشرقية للفسحة السفلى تعلوها سلسلة ممرات مزودة بالسقاطات والرواشن (فتحات الرمي ومقصورات الرماة). وقد أدى استخدام المماليك للقلعة كمركز إداري محلي إلى تطوير المباني السكنية والقصر ليكون منزلاً للحاكم أعلى المقر المحصن.
تعتبر قلعة الحصن من القلاع المحفوظة بشكل جيد ضمن فترة القرون الوسطى بفضل السماكة غير العادية لجدرانها ولمهارة بنائيها. إن نوعية العمارة ذات المنشأ العسكري قد تم إنشاؤها سابقاً من أجل (الرهبان والجنود) أدت إلى وجود الحد الأدنى من عناصر الزينة وإلى استخدام الكتل المعمارية الضخمة والمنحوتة والمعمرة بشكل متكامل. هذه العناصر مضافاً إليها الحماية الفعالة للقلعة من قبل السلطات المعنية وخلال القرن الماضي أدت إلى الحفاظ على الجزء الأكبر من بناء القلعة.
قلعة صلاح الدين

الأبراج الدفاعية في قلعة صلاح الدين
جغرافية وتاريخ القلعة
تقع على بعد 30كم شرق اللاذقية وشمال سلسلة الجبال الساحلية، تحتل القلعة نتوء صخري ارتفاعه /440م/ محدد من الشمال والجنوب بواديين عميقين. قمة النتوء متجهة نحو الغرب (مشكلة مثلث معزول بطول/ 720م/وعرض /120م/ ومساحة /6.5/هكتار) ومعزولة عن الهضبة الشرقية بخندق عميق محفور منذ العصر البيزنطي. يقسم الموقع إلى 3 أجزاء متميزة:
1- الهضبة، وتقع شرق الخندق الأساسي تحوي آثار سكن وخزانات؛ وبحسب المصادر التاريخية فإن هذه المنطقة كانت مسكونة خلال فترة الفرنجة.
2- الباحة العليا، تقع في المنطقة الشرقية من النتوء تضم أكبر عدد من الأبنية ذات الاستخدام العسكري والمدني والديني: هذه المنطقة هي الأصعب على الفهم من ناحية التنظيم المعماري ومراحل الإنشاء بسبب تداخل الأعمال والتشابه في الأجهزة ومشكلة إعادة الاستخدام المتكررة.
3- الباحة السفلى، الواقعة في المنطقة الغربية للنتوء منفصلة عن الباحة العليا ببداية خندق، أسوارها مزودة بأربعة أبراج مستطيلة وبرج دائري، بينما تحوي الأرض المنبسطة آثار مصلى بيزنطي.
تحيط الجبال بالقلعة، كما يحيط بها من جهات ثلاث خندق طبيعي، هو واد عميق, أما من جهة الشرق فقد حفر فيها خندق كبير في الصخر فصلها عن الهضبة الشرقية، وترك المعمار عموداً في وسطه، يرتكز عليه جسر متحرك، هذا الخندق يبلغ طوله 156 متراً، وعرضه بين (14و17متراَ)، أما ارتفاعه فيبلغ 25متراً.
حول الفرنجة الفسحة السماوية العليا التي تشكل قلب القصر البيزنطي إلى منطقة سكنية من خلال بناء حصن مربع ضخم يضم خزاني مياه كبيرين، وتحده أبراج متعددة نصف دائرية ومستطيلة، بالإضافة إلى حفر الخندق الشرقي. وفيما بعد، تم تحسين الدفاعات باستخدام التحصينات السابقة التي بناها البيزنطيون والفرنجة،
وتم بناء مجمعاً سكنياً كبيراً يضم حمامات وغرف استقبال على منسوبين، وهو يشبه في طرازه القصر الأيوبي في قلعة حلب، كما تم بناء حمامين وجامع حول المجمع خلال الفترة المملوكية مع برج استقبال عبر الجدار الغربي للفسحة العليا، وتم تحصين الفسحة السماوية السفلى خلال فترات الإشغال الفرنجية والإسلامية عبر بناء برجي ببوابة وسور محيط.
بنيت القلعة الشرقية على نتوء صخري لا يمكن دخوله من الشمال والجنوب والغرب بسبب وديان عميقة تحيط بها من هذه الجهات والتي تجمع مجرى مسيلين. وضعها المميز هو أهم خصائصها الأساسية التي أعطتها شهرتها عبر الأزمان. السور الطويل الخارجي الذي يحيط بالموقع يحيط بمنطقة ذات مظهر وعر باستثناء القسم الشرقي حيث كانت غالبية الأبنية العسكرية والسكنية مجتمعة. إن الجزء الأكثر بروزاً من الموقع لكنه الأكثر انبساطاً تم اختياره من قبل البيزنطيين لبناء القلعة بينما الباحة السفلى وتمثل انحداراً مهماً احتوى على أبنية قليلة مازالت موجودة حتى اليوم.
الطريق الرئيسة التي تسمح بالدخول إلى الموقع من الشمال متعرجة جداُ وتلتف لتغطي التعرج الكبير لأقسام الوادي الفاصل بين البروز الصخري حيث يقع الموقع والهضبة الشمالية. أما الدروب القديمة التي كانت تؤدي إلى أبواب الباحة السفلى فلم تعد سالكة اليوم بسبب الغابة المزروعة وقت الانتداب حول الموقع.
إن معالم الفترة ما قبل الفرنجة مبهمة لكن فترة الفرنجة كانت غنية وتقع في القرنين الثاني عشر والثالث عشر حيث اشتهر الموقع بكونه لا يهزم ولا يمكن دخوله أبداً. تعود أول مرحلة من عمر الموقع للقرن الرابع قبل الميلاد وقت حملة الاسكندر الكبير في سورية وفي القرن العاشر احتلها الحمدانيون الذين حكموا كل سورية الشمالية انطلاقاً من حلب. ثم استعادها البيزنطيون عام 975م في حملة Jean Tzimiscès وبقيت ملكهم حتى بداية القرن الثاني عشر.
استولى عليها الفرنجة في العقد الأول من القرن الثاني عشر وعملوا فيها تدعيمات جديدة. وبعد 80 سنة من الاحتلال الفرنجي استولى عليها صلاح الدين في أيام معدودة عام 1188 خلال حملته لتحرير القلاع المدافعة عن سواحل أنطاكية.
عُهد بالقلعة لعائلة منقوابرس وبقيت عربية رغم الغزو المنغولي لها في منتصف القرن الثالث عشر ثم استولى عليها االمماليك وبدأ دورها يغيب باضطراد. ذكر المكان في القرن الرابع عشر والخامس عشر كعاصمة لناحية من إمارة طرابلس ثم هجرت بشكل كامل.

مشهد عام لقلعة صلاح الدين

الخندق العميق في قلعة صلاح الدين
القيمة العالمية الاستثنائية لقلعتي الحصن وصلاح الدين
تمثل قلاع الشرق: البيزنطية، العربية، الأرمنية، الفرنجة، الأيوبية، والمملوكية، نماذج رائعة لفن العمارة العسكرية.
حدثت في مرحلة الفرنجة، الواقعة بين نهاية القرن (11م) والقرن (13م)، تحركات كبيرة للشعوب بين ضفتي المتوسط ناقلة التقاليد الدينية والثقافية والتقنية بين الغرب المسيحي وكل من الشرق البيزنطي والشرق العربي والمسلم. في مجال العمارة حقق الفرنجة ثورة تقنية في وسائل الدفاع ونقلوا ما شاهدوا في الشرق إلى الغرب، وأسهموا بذلك بازدهار فن العمارة العسكرية الأوروبية.
تمثل قلعتا الحصن وصلاح الدين النماذج الأكثر روعة والأقل تضرراً والمحفوظة بشكل جيد. تمتلك سورية عدة نماذج من القلاع يعود تاريخها إلى العصور الوسطى، وتنتشر على مجمل أراضيها الإقليمية، ومن بينها نذكر الموقعين المقترح تسجيلهما على لائحة التراث العالمي وهما قلعة الحصن وقلعة صلاح الدين، وهما تمثلان المواصفات الأفضل بحيث يمكن اعتبارهما من بين أروع النماذج المعمارية العسكرية للقرن الوسيط.
هذان الموقعان مشهوران منذ القرون الوسطى وموصوفان في عدة مصادر قديمة سواء أكانت فرنجية أم إسلامية، ويجسد هذان الموقعان وحدهما القرون الثلاثـة التي شـهدت الصراعات والحروب والتبـدلات العميقـة وكلهـا شكلت أصل الشرق الأوسط الحديث. وخلال مرحلة الانتداب الفرنسي اعتبر الموقعان كآثار تعود للإرث الغربي عموماً والفرنسي خصوصاً، وذلك من خلال تمهيد لفكرة الأصل الواحد للفرنجة والفرنسيين وتقليل التأثيرات والمراحل الإنشائية البيزنطية والعربية.
معايير التسجيل
المعيار الثاني : أن تعرض التغييرات الهامة للقيمة البشرية خلال الزمن أو في بقعة ثقافية في العالم أو أن تعرض تطور العمارة أو تقنيتها، فن التزيين، تخطيط المدن أو تصميم المواقع الطبيعية.
تعد القلعتان من بين الأمثلة الأروع في العمارة العسكرية وترمزان إلى مرحلـة القرون الوسطى في الأرض الغريبة وإلى مرحلـة تبـادل التـأثيرات الثقافية وإلى التطور الكبير للعمارة العسكرية». يمثل الموقعان معاً نموذجاً متكاملاً لتطور عمارة القلاع العسكرية والتقنية التي قدمتها قرون من الحروب والمعارك بين الجيوش الغربية (بيزنطية أولاً ثم فرنجية) والجيوش الاسلامية. أشكال العمارة الحديثة التي تطورت في المنطقة عبر هذه المراحل التاريخية أثرت في القرون التالية على العمارة العسكرية الشرقية والغربية مساهمة في التطور العام للعمارة والعلوم.
المعيار الرابع: أن تكون شاهداً لنموذج العمارة أو البناء أو المواقع الطبيعية التي تمثل تاريخ البشرية خلال مرحلة معينة.
تمثل قلعة الحصن وقلعة صلاح الدين من جهة ثانية نوعين نموذجيين من (قلعة القرون الوسطى) من حيث مكان توضعهما وفن عمارتهما وتفاصيلهما التقنية). قلعة الحصن عبارة عن قلعة حامية وهي إضافة لدورها في مراقبة الطريق بين الدويلات اللاتينية والأراضي الإسلامية، كانت قاعدة لعمليات فرسان الاسبتارية للقيام بغارات وحملات عسكرية ضد المواقع المحصنة الإسلامية، ويمكن اعتبار واجهاتها ومسقطها أنهما التعبير الأكثر كمالاً عن نموذجية بناء القلعة.
الأصالة (2009)
تقع كلتا القلاعتان على قمم التلال التي تهيمن بصريًا على المناظر الطبيعية المحيطة. بصرف النظر عن بعض التدخلات غير المرغوب فيها في مناطق الحماية، تم الحفاظ على سلامة المناطق المحيطة بشكل جيد. سيتم هدم المباني غير القانونية (بعض المنازل والمطاعم والفنادق) التي تم بناؤها بالقرب من القلاع. هناك مقترحات وخطط أيضًا لبناء تلفريك ومسرح في الهواء الطلق، والتي لن تنسجم مع سلامة المناظر الطبيعية.
السلامة (2009)
خضعت قلعة الحصن لبعض الترميمات المحدودة خلال الانتداب الفرنسي، بينما تم إزالة الإضافات الحديثة نسبيًا من قبل القرويين المحليين. تم تحرير مباني العصور الوسطى من الأتربة المتراكمة. بالإجمال احتفظت القلعة بأصالتها جيدًا.
تقع قلعة صلاح الدين في منطقة منعزلة ولم تخضع لأية تغييرات في القرون الأخيرة لكنها تضررت جزئيًا، وهي الآن موقع أثري. لقد خضعت لبعض أعمال الترميم. على سبيل المثال، تم ترميم البوابة الرئيسية للقصر الأيوبي في عام 1936، لمحاكاة الشكل الأصلي. تم الآن التخلي عن هذا النوع من الترميم، وينصب التركيز الرئيسي على التدعيم والحفظ بشكل عام، بالعموم ما زالت القلعة تحتفظ بحالتها التاريخية وأصالتها.
إعداد: م. لينا قطيفان
مراجع:
- جاموس، ب. و قطيفان، ل. ،”مواقع التراث العالمي في سورية”، المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق 2012
- https://whc.unesco.org/en/list/1229