

الموقع:
منين ( ويقال أيضا عين منين) هواسم بلدة في القلمون، تتبع إدارياً لمدينة التل، تبعد عن دمشق نحو 18كم باتجاه الشمال، وتقع في منطقة منخفضة ترتفع عن سطح البحر ما يناهز 1400 م، حيث تحيط بها عدة كتل جبلية عليها توضعات أثرية ومنها مار تقلا من الشمال الشرقي وجبل العين من الشمال الغربي، وبرتا وجبل العدس. رغم الخلاف حول معنى اسم الموقع، إلا أنه يبدو نسبةً لنبع الماء الغزير الذي كان يعبر البلدة منبثقاً من جبال القلمون ومتجهاً إلى غوطة دمشق ليرويها. وقد ورد ذكر الموقع في العديد من المصادر العربية القديمة، فضلاً عن توصيف بعض الرحّالة الأوربيون له ولبعض الأبنية فيه،وهي بقايا المعابد والكنائس التي بُنيت فيه.
البعثات الأثرية:
عملت في الموقع بعثة وطنية منذ عام 1998 بمبادرة من الدكتور سلطان محيسن، وشارك فيها في الموسم الأول الباحث البلجيكي شارل بالتي، وقد أدارها محمد عثمان ونظير عوض ثم محمود حمود بدءاً من 2003 وحتى 2010 حققت خلالها العديد من الاكتشافات المهمة التي تسلط الضوء على تاريخ الموقع وكامل منطقة القلمون.
السويات الأثرية والتاريخية:
أظهرت التنقيبات الأثرية في الموقع وجود عدد من السويات والتي تتبع التسلسل الزمني التالي من الأقدم وحتى الأحدث:
1- عصور ما قبل التاريخ (العصر الحجري الحديث)
2- العصور التاريخية (عصر الحديد)
3- العصور الكلاسيكية ( الفترة الرومانية والفترة البيزنطية)
4- العصور الإسلامية
المكتشفات الأثرية:
كشفت أعمال الحفريات والمسح الأثري التي أُجريت في الموقع وخاصةً في الكهوف المُجاورة عن وجود استيطان بشري يعود لعصور ما قبل التاريخ، تمثل في مجموعة من الأدوات الصوانية التي تحمل صفات العصر الحجري الحديث. تم العثور أيضاً عن العديد من الكِسر الفخارية المؤرخة على عصر الحديد،ودمية طينية تُجسّد فارساً ،فضلاُ عن دمية لرأس ثور ومبخرة. تجدر الإشارة للعثور على عددٍ من الكتابات الفينيقية و الأختام والتماثيل التي يمكن إرجاعها للساحل السوري وهي تعكس التبادل التجاري النشط بين مختلف أرجاء سورية القديمة.




ومن الجهة الشرقية توجد قاعة أخرى ضيقة ومنحوتة أيضاً (القاعة H5)، والتي كانت تستعمل كغرفة لارتداء الثياب الكهنوتية (الدياكونيكون) كما يجري في بعض التحضيرات قبل البدء بطقوس العبادة والصلوات. وبالتالي فإن وظيفة القاعة المناظرة لها (القاعة H4) كانت لتلقي القرابين والتقدمات والنذور لآلهة المعابد المجاورة الواقعة في الجهة الغربية، خلال العصر الروماني.
وقد تم التحقق حتى الآن من معبدين، وإن كان من الصعب معرفة الآلهة التي كرست لها هذه المعابد فمن المفيد أن نذكر رأي السيد بيير لوي غاتييه من خلال ترجمته لنص باللغة اليونانية في القطاع D، حيث نوه لوجود نوع من العبادة الإلزوسية الخاصة في الموقع كانت تمارسها إحدى الجماعات الدينية، وبتعبير آخر طريقة عبادة سرية مختلفة عما كان سائداً لدى عامة الناس، ثم شغلت هاتان الغرفتان خلال العصر البيزنطي إلى وظيفة سكنية وتخديمية يمكن ملاحظتها من خلال بقايا بذور الزيتون وبقايا التنور الواقع في الجهة الشمالية الغربية للقاعة.
كما تم التنقيب في القاعة H6 التي كانت تقسم إلى قسمين، الأول مرتفع والثاني منخفض، غطى الرماد وأثار الحريق جزءاً كبيراً من أرضية القاعة ودرجها ما قد يشير لوجود سقف خشبي سقط على أرضية الغرفة بعد تعرضها، للحريق لكن من المؤكد أن هذا السقف لا يعود للعصر الروماني التي تعود له القاعة بل يرجح أنه يعود للفترات الاسلامية. كان واضحاً ان هذه الغرفة هي بقايا معبد متكامل يعود إلى العصر الروماني نرى فيه المصلى وهو الجزء المنخفض والمصطبة (الأديتون) والمحراب أو قدس الأقداس المكان الذي توضع فيه تماثيل الآلهة وهو الجزء المرتفع.



لاحقاً، وخلال الفترة الهلينستية ازدهر الموقع كما دلّت اللُقّى الأثرية من أباريق وكؤؤوس وسُرج، فضلاُ عن جرار تخزين حملت طبعات أختام بنقوشٍ يونانية ،وبعض النقود البرونزية. إن العصور الكلاسيكية تعكس فترة إزدهار الموقع بدءاً من الفترة الرومانية، حيث كشفت أعمال التنقيب على سفح جبل مار تقلا عن وجود مجمع ديني ضخم يعود إلى الفترة الرومانية، يضم عدة معابد (أهمها معبدان محفوران في الصخر وأمامهما منصة ضخمة أو معبد ثالث)، ومنشآت أخرى على سطح جبل العين الواقع شمال- غرب البلدة. هدفت أعمال التنقيب إلى الكشف عن القاعات المنحوتة في الصخر وتوضيح وظيفتها الدينية حيث تبين أن القاعة H4 تتصل مع القاعة H3 بواسطة درج منحوت بالصخر ذات أرضية تنتصب عليها ثلاثة مذابح متجاورة منحوتة بالكامل. عثر في الأرضية الواقعة أمام المذبح على تمثال من الحجر الرخامي لامرأة ربما كانت تمثل إحدى الآلهة الإغريقية القديمة (فينوس)، إضافة إلى كسر زجاجية وفخارية. ومن الجهة الشرقية توجد قاعة أخرى ضيقة ومنحوتة أيضاً (القاعة H5)، والتي كانت تستعمل كغرفة لارتداء الثياب الكهنوتية (الدياكونيكون) كما يجري في بعض التحضيرات قبل البدء بطقوس العبادة والصلوات. وبالتالي فإن وظيفة القاعة المناظرة لها (القاعة H4) كانت لتلقي القرابين والتقدمات والنذور لآلهة المعابد المجاورة الواقعة في الجهة الغربية، خلال العصر الروماني.

وقد أماطت التنقيبات اللثام عن تفاصيل الحياة الدينية المحلية قديماً، فقد تم الكشف عن قاعة H6 التي انقسمت إلى قسمين، الأول مرتفع والثاني منخفض، حيث غطى الرماد وأثار الحريق جزءاً كبيراً من أرضية القاعة ودرجها ما قد يشير لوجود سقف خشبي سقط على أرضية الغرفة بعد تعرضها، للحريق. وقد كان واضحاً ان هذه الغرفة هي بقايا معبد متكامل يعود إلى العصر الروماني نرى فيه المَصلى وهو الجزء المنخفض والمصطبة (الأديتون) والمحراب أو قدس الأقداس ويمثل المكان الذي توضع فيه تماثيل الآلهة وهو الجزء المرتفع. ويبدو أن التدمير الذي تعرض له المعبد حصل خلال الفترة الإسلامية.
وبالنسبة للمكتشفات المعمارية في الموقع فقد أظهرت التنقيبات وجود ثلاثة معابد، بمكن وصفها كالآتي:
1- المعبد الشمالي A: وهو مبنى منحوت في الصخر، ذو مسقط مستطيل بأبعاد (668*470*650) سم،وتألف المعبد من ثلاث أجزاء: الرواق ثم الحرم و المذبح. وينتصب مدخله على هيئة باب كبير تمت زخرفة سواكفه بنقوشٍ نافرة تتضمن أشكال مستمدة من البيئة المحلية كنعاقيد العنب والرمان وسنابل القمح و الأغصان على شكل جدائل.
2- المعبد الجنوبي B:وهو مبنى منحوت في الصخر بشكلٍ موازٍ للمعبد الشمالي ويشبهه معمارياً وهندسياً،وما يُلفت النظر وجود باحة أمام المعبدين بأبعاد ( 15*30) م ووجود درج عريض منحوت بعناية يوجد بأسفله ممر يؤدي إلى باحة المعبد السابق.و للأسف فقد تعرض المعبد للتدمير بسبب الزلازل التي ضربت المنطقة قديماً، و زاد بناء خزان ماء حديث الوضع سوءاً، وقد دفع الوضع المتردي للموقع المديرية العامة للآثار والمتاحف للتدخل لدى السلطات المحلية مما أدى لنقل الخزان لمكان آخر.
3- المعبد C: وقد احتل القطاع الواقع غربي المعبدين السابقين وتألف من قسمين،ويتميز بوجود مذبح يحمل نقشاً بالكتابة اليونانية القديمة





يبدو من خلال تحليل النقوش اليونانية التي ظهرت في الموقع بأنه كان يشمل على معابد مارست فيها إحدى الجماعات الدينية طقوسها الخاصة. وتجدر الإشارة لتغيير وظائف المعبد الروماني الوثني مع الوقت حيث تحولت بعض غرفه خلال العصر البيزنطي إلى وظيفة سكنية وتخديمية يمكن ملاحظتها من خلال بقايا بذور الزيتون وبقايا التنور الواقع في الجهة الشمالية الغربية للقاعة.
و يجدر التنويه أنه تم العثور في الجبال المحيطة على عددٍ من المدافن الجماعية والفردية مختلفة الأشكال وقد تم حفر بعضها في الصخر أو بناؤها من الحجر الكلسي المحلي أو اعتماداَ على جلب الحجارة من مقالع الحجارة المجاورة. وتوضّح الأبنية المُكتشفة في الموقع الأثري مثل معاصر العنب ومشاغل النسيج والنول، و المواد المُكتشفة مثل الوزنات على شكل ثقالات حجرية، فضلاُ عن مجموعة أوانٍ زجاجية وكؤوس فخارية، أهمية الموقع الإقتصادية وخاصة خلال الفترة الكلاسيكية. مع دخول المنطقة تحت لواء الإمبراطورية البيزنطية ازدهر الموقع حيث تروي الروايات المسيحية الباكرة إقامة القديسة تقلا فيه في طريقها إلى معلولا. وتم العثور عللى دير وكنيستين من الفترة البيزنطية فقد شهدت المنطقة تحول العديد من المعابد الرومانية التي كان يُنظر إليها بكونها وثنية إلى كنائس. ولعب الموقع دوراً اقتصادياً متميزاً إذ نجد العديد من معاصر الزيت كما دلت العديد من الدلائل الأثرية كالأجراس و الأباريق والأعمال الفنية على ذلك الدور.
مع دخول الإسلام المنطقة استمر الموقع مشغولاً ويمكن القول أن أغلب معالم البلدة الحالية تعود للفترات الإسلامية القديمة كالعباسية والمملوكية والأيوبية، حيث بُنيت طاحونة وحمام فضلاُ عن عددٍ من بيوت البلدة القديمة. ويذكر السكان المحليون روايات عن وجود عدد من الأضرحة لأولياء توزعوا على فتراتٍ مختلفة من العصر الإسلامي. أخيراً، كشفت التنقيبات أيضاُ عن أن الجبال المحيطة بالموقع سُكنت لفتراتٍ متقطعه حديثاُ وخاصةً أثناء الفترة العثمانية، كما دل على ذلك ظهور الأواني الفخارية والنقود وبعض غلايين الدخان.
المراجع العلمية:
- حمود، م. ؛ عميري، ا.: معابد منين. دمشق، 2010.
- حمود، م ، ” عين منين بلدة تسبح في أعماق التاريخ”، المعرفة عدد 678، ص. 134-140، دمشق 2020
عدد الزوار 1,885