http://dgam.gov.sy/wp-content/uploads/2020/10/header.png
دير مار موسى .
دير مار موسى صورة ليلية

يبعد دير مار موسى الحبشي 90كم عن دمشق باتجاه الشمال، و 16 كم إلى الشرق من مدينة النبك، على طريق العرقوب, داخل ممر جبلي ضيق، يتوضع  على كتلة صخرية معزولة من ثلاث جهات، مما يجعله حصناً منيعاً بالطبيعة، ولهذا جعل منه الرومان برجاً لمراقبة الطريق القديمة التي كانت تسلكها القوافل بين دمشق وتدمر، وتحول في القرن السادس للميلاد إلى دير للرهبان، وأصبح مقراً للراهب مار موسى الحبشي الذي كان أميراً حبشياً، فترك بلاط أبيه وبلاده باحثا عن ملكوت الله فهاجر إلى مصر وزار الأماكن المقدسة في فلسطين ثم استقر في دير مار يعقوب بالقرب من بلدة قارة، شمالي النبك، ليعيش حياة الرهبنة.

ورغبة منه في مزيد من الوِحدة والزهد، أتى إلى وادي الدير وأقام في إحدى مغاوره متنسكاً، وفي أثناء النزاعات المذهبية بين مسيحيي ذلك العصر التي تلت المجمع الخلقيدوني، استشهد الراهب الحبيس موسى على يد جنود الإمبراطور. ووصل خبر استشهاده إلى الحبشة، فأتى رسول من طرف أهله ليأخذ جثمانه حتى يواريه الثرى في مسقط رأسه.
شق على أهل المنطقة أن يتخلوا عن رفاة قديسهم، وعندما فتحوا القبر وجدوا إبهام يده اليمنى منفصلاً عن الجثمان، وكانت تلك لهم علامة ربانيَّة، فأحتفظ الرهبان بإبهام يده اليمنى ذخيرة ليتباركوا منها، ولا تزال محفوظة حتى أيامنا هذه في كنيسة النبك السريانية.

ويرجح بعض الباحثين أن الدير تأسس باسم النبي موسى الكليم(ع)، وحافظ الرهبان والشعب على سيرة القديس موسى الحبشي الذي استشهد بالمكان في بدايات  تاريخ الدير, فارتبطت سيرته بتأسيس الدير, لأن رهبان كل دير يحبون ذكر مؤسس ديرهم وتقديره ولياً وشفيعاً لهم.
كان أسلوب الحياة بالدير في عصره الأول على طريقة “اللاورا” , أي نظام حياة رهبانية تنسكية. حيث يسكن الموحدون في صوامع داخل الجبل, يصل بينها درب صغير يؤدي إلى مكان الكنيسة والمضافة وباقي أماكن الخدمات المشتركة, تماما كما هي الحياة شبه النسكية في لاورات الوديان شرقي القدس. وقد هجرت غالبية الصوامع في عصر لاحق, وأعيد بناء الدير على مساحة أكبر وحول كنيسة أوسع, لأن الحياة الرهبانية تحولت من النمط النسكي إلى الجماعي.

وقد أصبح للدير دور روحي وثقافي مهم في تلك المنطقة المطلة على البادية, والفاصلة بين البدو، الناطقين بالعربية، وسكان الحواضر المتكلمين بالسريانية، كما كان محطة يميل إليها الحجاج الذين يقصدون القدس قادمين من بلاد ما بين النهرين وشمالي سورية.

ازدهر الدير منذ ذلك الوقت ليصبح في القرن السادس كرسياً أسقفياً مستقلاً، أما الكنيسة الحالية فتدل الكتابات العربية على جدران الدير أن بناءها يعود إلى سنة 450هـ/ 1058م، وبدءاً من القرن الخامس عشر، أُعيد توسيع الدير وتم إضافة بعض الأبنية ومنها الكنيسة الصغيرة ذات الأجنحة الثلاث، والتي تحمل من الداخل رسوماً جدارية فريسك.

واستمرت الحياة الرهبانية فيه حتى عام 1831 م، حيث هجر آخر رهبان الدير المكان، وترك الدير فارغاً فحوله الرعاة إلى ملجأً لهم ولمواشيهم … وبالرغم من خلو الدير من سكانه ،ظلّ أهالي مدينة النبك يزورونه للتبرك، وأُوكلت شؤونه إلى الرعية المحلية للمحافظة عليه.
أما أهم أبنية الدير فهي الكنيسة الواقعة في قلب الدير، كما توجد بالقرب من الدير وفي محيطه الجبلي الوعر مجموعة من المغاور التي كانت تستخدم كصوامع عبادة للرهبان منذ العصور الوسطى.

يرجع تاريخ بناء الكنيسة إلى منتصف القرن الحادي عشر للميلاد، وتشهد على ذلك بوضوح كتابة منقوشة على الجدار الشرقي و أخرى على الجدار الغربي، كما يعود نقش الصلبان على الأعمدة والجدران إلى التاريخ نفسه. وهي تتألف من قسمين: صحن الكنيسة وقدس الأقداس. الصحن مربع الشكل يبلغ طول ضلعه نحو 10م، يتكون من ثلاثة أروقة، تمتد من الغرب إلى الشرق، تفصل بينها أعمدة، وتنير الرواق الأوسط نافذة كبيرة نسبيا، في الجدار الشرقي، أما قدس الأقداس فيضم الهيكل والحنية (المحراب)، ويفصله عن صحن الكنيسة حاجز، بني القسم السفلي منه بالحجر، والعلوي بالخشب. ويتوضع مذبح حجري داخل المحراب، يحمل بعض الزخارف الهندسية البسيطة.

دير مار موسى والأبنية الملحقة

زينت جدران الكنيسة برسومات جدارية (فريسك)، تمثل تصويراً دقيقاً لبعض قصص الكتاب المقدس، كما تضم مجموعة من الكتابات العربية القديمة والسريانية واليونانية، وهي مؤلفة من ثلاث طبقات: تعود رسوم الطبقة الأولى (وهي الأقدم)، إلى الفترة الواقعة بين سنتي 450 و488 هـ/1058-1095م، حسب الكتابة الموجودة على الجدار الشرقي للرواق الشمالي، وهي من الرسوم النادرة التي تدل على استمرارية الفن الهيليني (اليوناني) المسيحي السوري، كما يظهر من عناصر الحركة والحيوية وقوة التعبير فيها، وما زالت أغلب رسومات هذه الطبقة تحت الطبقات التي تلتها.
أما رسومات الطبقة الثانية فهي تعود إلى نهاية القرن الحادي عشر، وتتميز برهافة الإحساس الروحي والفني للرسام، وتعبر عن تطور الفن البيزنطي في المنطقة.
أما رسوم الطبقة الثالثة فهي تحمل كتابة عربية دُّوِّنت بالكلس وتؤرخ لسنة 1192م, أو 1208م، وتكمن أهميتها في أن رسوماتها متوزعة على جميع جدران الكنيسة، وهي ذات طابع سرياني وهذا ما يتبين من: استخدام الكتابة السريانية فيها، والبساطة والعفوية التي تميزها، وهما صفتان معهودتان في الفن السرياني، وكذلك لتوزع موضوعاتها بالمقارنة مع الأنماط البيزنطية التي بدأت تدخل مرحلة التحديد والثبات في ذلك العصر.

تم تسجيل الدير في لائحة المواقع الأثرية الوطنية بالقرار الوزاري رقم 63 / أ تاريخ 4 / 11/ 1957.
أما أعمال الترميم وتأهيل الموقع فقد بدأت سنة 1984، بمساهمة الدولة السورية (ممثلة بدائرة آثر ريف دمشق)، والحكومة الإيطالية، والكنيسة المحلية وعددٍ من المتطوعين العرب والأوروبيين ومنهم الراهب الإيطالي باولو دالوليو الذي أصدر كتاباً سنة 1998 ضمنه كل المعلومات التاريخية والأثرية المتعلقة بالدير وبأعمال الترميم التي جرت وما تزال تجري. كما أعاد الحياة الرهبانية له تحت رعاية مطرانية حمص وحماه والنبك للسريان الكاثوليك.

photo_2020-10-05_11-57-34
مقاطع لواجهات الدير
مسقط الدير

عدد الزوار 1,645 

This is the sidebar content, HTML is allowed.